مجتمع

“حراك Gen Z 212… من العالم الرقمي إلى شوارع المغرب”

حمزة شافعي

 

 

منذ انطلاق شرارة الاحتجاجات الشبابية التي بادرت إليها مجموعة Gen Z 212 في 27 شتنبر 2025، شهد المغرب موجة احتجاجات واسعة امتدت إلى عدد من المدن الكبرى مثل الرباط، الدار البيضاء، طنجة، أكادير، أيت عميرة، وجدة وغيرها، وركّزت شعاراتها على مطالب مرتبطة بالصحة والتعليم والعيش الكريم ومحاربة الفساد.

وقد اتسمت هذه التحركات في بداياتها بالطابع السلمي واللامركزي، قبل أن تشهد اصطدامات وعمليات اعتقال وحالات إصابة لمئات الشباب في مختلف المدن.

لقد عرفت الشوارع المغربية، منذ ذلك التاريخ، احتجاجات واسعة قادها شبان ينتمون إلى فضاءات رقمية منظمة ذاتيا تحت تسمية Gen Z 212، احتجاجا على تردي الخدمات العمومية، لا سيما في قطاعي الصحة والتعليم، وعلى تدهور القدرة الشرائية وارتفاع البطالة، إضافة إلى استنكار سياسات إنفاق عمومي ينظر إليها باعتبارها إعادة ترتيب لأولويات لا تخدم الاحتياجات الأساسية للمواطنين. وقد انطلقت هذه التحركات في شكل تجمعات ومسيرات وانتشرت بسرعة عبر شبكات تواصل لامركزية، مما منحها زخما وطنيا متسارعا.

وفي المقابل، واجهت أجهزة الدولة هذه التجمعات بالقوة والاعتقالات في أماكن عدة، حيث وصل عدد الموقوفين من الشباب والشابات إلى الآلاف، الأمر الذي أدى إلى تصعيد ميداني واستمرار الاحتجاجات رغم القمع. وتشير تقارير صحفية ومنظمات حقوقية إلى اعتقال أعداد كبيرة من الشباب خلال الأيام الأولى للحراك، وهو ما يعكس اعتماد مقاربة سلطوية ردعية بدل مقاربة تفاوضية مفتوحة، بما يكشف عن انسداد مؤسساتي في قنوات الاستجابة الرسمية، وغياب النخب السياسية للحوار.

إن الاحتقان الاجتماعي الراهن لا يمكن فهمه بمعزل عن تداخل عوامل مادية وبنيوية، تشمل تدهور جودة الخدمات الصحية، وارتفاع معدلات البطالة وسط الشباب، والتفاوتات الإقليمية الحادة التي تكسب المطالب طابعا محليا وجهويا. كما أن سياسات الإنفاق على مشاريع كبرى، خصوصا في مجال البنى التحتية الرياضية المرتبطة باستضافات دولية مستقبلية، ساهمت في تكثيف الشعور بسوء ترتيب الأولويات لدى فئات واسعة من الشباب، مما عزز الإحساس بنقص الحماية الاجتماعية وفقدان الثقة في بعض الخيارات التنموية.

أما الفاعلون في هذا المشهد فهم مزيج من شبان لامركزيين ومنظمات شبابية إلكترونية ونقابات تقليدية وهيئات حقوقية ومتضررين محليين. ويكشف الحراك الذي تقوده Gen Z 212 عن ثلاثة

ملامح رئيسية:
أولا، اللامركزية في القيادة، حيث إن غياب زعامة مؤطرة يقلل من قابلية الحركة للاستيعاب السياسي التقليدي، لكنه يصعّب في الوقت نفسه إمكانية التفاوض الموحد.

ثانيا، الاعتماد على الوسائط الرقمية، إذ شكلت منصات مثل تيك توك وديسكورد وإنستغرام محركات أساسية للتنسيق والانتشار، مما جعل التعبئة أسرع وأكثر دينامية، لكنها عرضتها أيضا لعمليات تشويش وتضليل.

ثالثا، الطابع التقاطعي بين المطالب المادية والرمزية، إذ تلاقت المطالب الاجتماعية (وظائف، صحة، تعليم) مع المطالب السياسية والحقوقية (حريات، عدالة اجتماعية، إسقاط الفساد، انتخابات نزيهة)، وهو ما منح الحراك عمقا سياسيا واجتماعيا لافتا.

في هذا السياق يذهب بيير بورديو إلى القول بأن: “كل حركات التمرد على النظام الرمزي ضرورية، لأنها تثير التساؤلات حول ما يبدو بديهيا وتخلخل ما لا يقبل النقاش، وإن كانت مزعجة فذلك لأنها تتعارض مع التوجهات العميقة لمصالح رجال الدولة”. ومن جهة أخرى، تبرز أفكار “روزا لوكسمبورغ” في تفسير عفوية الجماهير، حيث إن الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية المتأزمة يمكن أن تفجر احتجاجات عفوية دون تأطير سياسي، وهو ما يفرض على الأحزاب المناضلة أن تكون دائما على استعداد لمواكبة هذه العفوية، والمساهمة في تأطيرها وتعزيز تضامنها مع المطالب الشعبية.

إن ما يميز حراك Gen Z 212 هو سرعته في الانتقال من الفضاء الرقمي إلى الواقع، على خلاف الحركات السابقة التي اعتمدت على الوسائل التقليدية بحيث الانتقال من الواقع إلى الافتراضي، كما أبان “جيل زيد” عن إبتكار آليات جديدة في الاحتجاج بحيث تم اختراق وسائل الإشهارات التي تروج لكأس إفريقيا. وقد أبان هذا الحراك عن قدرة الجيل الجديد على استثمار الوسائط الحديثة في خلق تعبئة جماهيرية ذات طابع عفوي وشامل.

بناءا على ماسبق يمكن القول إن حراك Gen Z 212 يمثل لحظة فارقة في التاريخ الاجتماعي والسياسي المغربي، إذ يعكس تراكم استياء شعبي ووعيا جديدا لدى جيل نشأ وسط التحديات الاقتصادية والاجتماعية، لكنه في الوقت ذاته متصل بالعالم الرقمي وشبكاته. إذ أبان هذا الأخير عن عدم خوفه من الاعتقالات وعدم انصياعه للخطابات السياسية الرسمية مما يفسر عدم الثقة في السياسيين رغم المحاولات العديدة للتشويش والتخوين والتمويه. وبالتالي فإن الحراك الشبابي يعطينا دروسا في التمرد على القيم والمعايير السائدة في المجتمع كالخوف والطاعة والتطبيع مع كافة الأشكال التقليدية. مما يؤشر على أننا أمام جيل جديد رافض للسلطوية والقمع والترهيب، ويمكن أن يتحول إلى حراك شعبي جماهيري يشمل كل فئات المجتمع المغربي. غير أن هذا الحراك، رغم إمكانياته في الدفع نحو التغيير، يواجه صعوبات حقيقية على مستوى التنسيق والقيادة والرؤية، فضلا عن تحديات مرتبطة بقدرة الدولة على الاستجابة والانفتاح على الحوار.

يبقى السؤال الجوهري: هل سينجح هذا الحراك في إحداث تغييرات ملموسة، أم سيظل مجرد متنفس لغضب اجتماعي متراكم يستهلك إعلاميا دون أن يفضي إلى تغيير حقيقي؟ الإجابة ستتوقف على مدى قدرة الشباب على التنظيم والاستمرار، ومدى استعداد الدولة لفتح قنوات حوار جادة والانخراط في مسار تغيير فعلي.

بقلم: حمزة شافعي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى